فصل: باب ما جاء في الضيافة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ذكاة الجنين بذكاة أمه

1 - عن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال في الجنين ذكاته ذكاة أمه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وابن ماجه‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏قلنا يا رسول اللّه تنحر الناقة وتذبح البقرة والشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكل قال‏:‏ كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان وصححه وضعفه عبد الحق وقال لا يحتج بأسانيده كلها وذلك لأن في بعضها مجالدًا ولكن أقل أحوال الحديث أن يكون حسنًا لغيره لكثرة طرقه ومجالد ليس إلا في الطريق التي أخرجها الترمذي وأبو داود منها‏.‏

وقد أخرجه أحمد من طريق ليس فيها ضعيف والحاكم أخرجه من طريق فيها عطية عن ابن سعيد وعطية فيه لين وقد صححه مع ابن حبان ابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وقال وفي الباب عن علي عليه السلام وابن مسعود وأبي أيوب والبراء وابن عمر وابن عباس وكعب بن مالك وزاد في التلخيص عن جابر وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي هريرة‏.‏

أما حديث علي فأخرجه الدارقطني بإسناد فيه الحارث الأعور وموسى بن عمر الكوفي وهما ضعيفان‏.‏

وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أيضًا الدارقطني بسند رجاله ثقات إلا أحمد بن الحجاج بن الصامت فإنه ضعيف جدًا‏.‏

وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف‏.‏

وأما حديث البراء فأخرجه البيهقي‏.‏

وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم والطبراني في الأوسط وابن حبان في الضعفاء وفي إسناده محمد بن الحسن الواسطي ضعفه ابن حبان وفي بعض طرقه عنعنة محمد بن إسحاق وفي بعضها أحمد بن عصام وهو ضعيف وهو في الموطأ موقوف وهو أصح‏.‏

وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطني وفي إسناده موسى بن عثمان العبدي وهو مجهول‏.‏

وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده إسماعيل ابن مسلم وهو ضعيف‏.‏

وأما حديث جابر فأخرجه الدارمي وأبو داود وفي إسناده عبد اللّه ابن أبي الزناد القداح عن أبي الزبير والقداح ضعيف وله طرق أخر‏.‏

وأما حديث أبي أمامة وأبي الدرداء فأخرجهما الطبراني من طريق راشد بن سعد وفيه ضعف وانقطاع‏.‏

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني وفي إسناده عمر بن قيس وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكاة الجنين ذكاة أمه‏)‏ مرفوعان بالابتداء والخبر والمراد الإخبار عن ذكاة الجنين بأنها ذكاة أمه فيحل بها كما تحل الأم بها ولا يحتاج إلى تذكية وإليه ذهب الثوري والشافعي والحسن بن زياد وصاحبا أبي حنيفة وإليه ذهب أيضًا مالك واشترط أن يكون قد أشعر لما في بعض روايات الحديث عن أبي عمر بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه‏)‏ وقد تفرد به أحمد بن عصام كما تقدم والصحيح أنه موقوف فلا حجة فيه‏.‏ وأيضًا قد روي من طريق ابن أبي ليلى مرفوعًا‏:‏ ‏(‏ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر‏)‏ وفيه ضعف كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏ وأيضًا قد روي من طريق ابن عمر نفسه مرفوعًا وموقوفًا كما رواه البيهقي أنه قال‏:‏ ‏(‏أشعر أو لم يشعر‏)‏ وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى تحريم الجنين إذا خرج ميتًا وأنها لا تغني تذكية الأم عن تذكيته محتجين بعموم قوله تعالى ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ وهو من ترجيح العام على الخاص وقد تقرر في الأصول بطلانه ولكنهم اعتذروا عن الحديث بما لا يغني شيئًا فقالوا المراد ذكاة الجنين كذكاة أمه ورد بأنه لو كان المعنى على ذلك لكان منصوبًا بنزع الخافض والرواية بالرفع ويؤيده أنه روي بلفظ ذكاة الجنين في ذكاة أمه أي كائنة أو حاصلة في ذكاة أمه وروي ‏(‏ذكاة الجنين بذكاة أمه‏)‏ والباء للسببية قال في التلخيص‏:‏ فائدة قال ابن المنذر إنه لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روي عن أبي حنيفة اهـ‏.‏ وظاهر الحديث أنه يحل بذكاة الأم الجنين مطلقًا سواء خرج حيًا أو ميتًا فالتفصيل ليس عليه دليل‏.‏

 باب أن ما أبين من حي فهو ميتة

1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ما قطع من بهيمة وهي حية فما قطع منها فهو ميتة‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

2 - وعن أبي واقد الليثي قال‏:‏ ‏(‏قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المدينة وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإبل يجبونها فقال‏:‏ ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏ ولأبي داود منه الكلام النبوي فقط‏.‏

حديث ابن عمر أخرجه أيضًا البزار والطبراني في الأوسط من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عنه واختلف فيه على زيد بن أسلم وقد روي عن زيد بن أسلم مرسلًا قال الدارقطني‏:‏ المرسل أشبه بالصواب وله طرق أخرى عن ابن عمر أخرجها الطبراني في الأوسط وفيها عاصم بن عمر وهو ضعيف‏.‏

وحديث أبي واقد أخرجه أيضًا الدارمي والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار عن زيد بن أسلم عنه وأخرجه أيضًا الحاكم من حديث سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا قال الدارقطني‏:‏ والمرسل أصح وأخرجه البزار من طريق المسور بن الصلت عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري وقال تفرد به ابن الصلت وخالفه سليمان بن بلال فقال عن زيد عن عطاء مرسلًا وكذا قال الدارقطني وقد وصله الحاكم كما تقدم‏.‏ وتابع المسور وغيره عليه خارجة بن مصعب أخرجه بن عدي في الكامل وأبو نعيم في الحلية وأخرجه ابن ماجه والطبراني وابن عدي من طريق تميم الداري وإسناده ضعيف كما قال الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما قطع منها‏)‏ المجيء بهذه الجملة لزيادة الإيضاح وإلا فقد أغنى عنها ما قبلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو ميتة‏)‏ فيه دليل على أن البائن من الحي حكمه حكم الميتة في تحريم أكله ونجاسته وفي ذلك تفاصيل ومذاهب مستوفاة في كتب الفقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى أليات‏)‏ جمع ألية والجب القطع والأسنمة جمع سنام‏.‏

 

قد سبق قوله في البحر‏:‏ ‏(‏هو الحل ميتته‏)‏‏.‏

1 - عن ابن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

2 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏غزونا جيش الحبط وأميرنا أبو عبيدة فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر حوتًا ميتًا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه فمر الراكب تحته قال فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ كلوا رزقًا أخرجه اللّه عز وجل لكم أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بشيء فأكله‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وهو للدارقطني أيضًا من رواية عبد اللّه بن زيد بن أسلم عن أبيه بإسناده قال أحمد وابن المديني‏:‏ عبد الرحمن بن زيد ضعيف وأخوه عبد اللّه ثقة‏.‏

4 - وعن أبي شريح من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اللّه ذبح ما في البحر لبني آدم‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني وذكره البخاري عن أبي شريح موقوفًا‏.‏

وعن أبي بكر الصديق قال‏:‏ الطافي حلال‏.‏ وعن عمر في قوله تعالى ‏{‏أحل لكم صيد البحر‏}‏ قال‏:‏ صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ طعامه ميتته إلا ما قذرت منها‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كل من صيد البحر صيد يهودي أو نصراني أو مجوسي‏.‏ وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء‏.‏ ذكرهن البخاري في صحيحه‏.‏

الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق هو أول حديث في كتابه هذا وقد مر الكلام عليه‏.‏

وحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه أيضًا الشافعي والبيهقي ورواه الدارقطني أيضًا من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم موقوفًا وقال هو أصح وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم وعبد الرحمن ابن زيد ضعيف كما نقله المصنف عن أحمد وابن المديني وفي رواية عن أحمد أنه قال حديثه هذا منكر‏.‏ وقال البيهقي رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم عبد اللّه وعبد الرحمن وأسامة وقد ضعفهم ابن معين وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد اللّه وكذا روي عن ابن المديني‏.‏ قال الحافظ‏:‏ قلت رواه الدارقطني وابن عدي من رواية عبد اللّه بن زيد بن أسلم قال ابن عدي‏:‏ الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة قال الحافظ‏:‏ وقد تابعهم شخص هو أضعف منهم وهو أبو هاشم كثير بن عبد اللّه الأيلي أخرجه ابن مردويه في تفسير سورة الأنعام من طريقه عن زيد بن أسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏يحل من الميتة اثنان ومن الدم اثنان فأما الميتة فالسمك والجراد وأما الدم فالكبد والطحال‏)‏ ورواه المسور بن الصلت أيضًا عن زيد بن أسلم لكنه خالف في إسناده قال عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعًا أخرجه الخطيب وذكره الدارقطني في العلل والمسور كذاب‏.‏ نعم الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع لأن قول الصحابي أحل لنا كذا وحرم علينا كذا مثل قوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع كذا قال الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سبع غزوات‏)‏ في رواية البخاري أو ستًا‏.‏ ووقع في توضيح ابن مالك سبع غزوات أو ثماني وتكلم عليه فقال الأجود أن يقال أو ثمانيًا بالتنوين لأن لفظ ثماني وإن كان كلفظ جواري في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء فهو يخالفه في أن جواري جمع وثماني ليس بجمع وقال أطال الكلام على ذلك ثم وجه ترك التنوين بتوجيهات‏.‏ منها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولم أر لفظ ثماني في شيء من كتب الحديث قال وهذا الشك في عدد الغزوات من شعبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نأكل معه الجراد‏)‏ يحتمل أن يراد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد ويحتمل أن يريد مع أكله ويدل على الثاني ما وقع في رواية أبي نعيم بلفظ‏:‏ ‏(‏ويأكله معنا‏)‏ وهذا يرد على الصيمري من الشافعية حيث زعم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم عافه كما عاف الضب‏.‏

وقد أخرج أبو داود عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم من حديث سلمان أنه قال‏:‏ ‏(‏لا آكله ولا أحرمه‏)‏ والصواب أنه مرسل‏.‏ ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن الضب فقال لا آكله ولا أحرمه وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا ليس ثابتًا لأن ثابتًا قال فيه النسائي ليس بثقة‏.‏ ونقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد‏.‏

وفصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس فقال في جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض وهذا إن ثبت أنه يضر أكله بأن يكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه وذهب الجمهور إلى حل أكل الجراد ولو مات بغير سبب وعند المالكية اشتراط التذكية وهي هنا أن يكون موته بسبب آدمي إما بأن يقطع رأسه أو بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حيًا فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل‏.‏

واحتج الجمهور بحديث ابن عمر المذكور في الباب‏.‏ ولفظ الجراد جنس يقع على الذكر والأنثى ويميز واحده بالتاء وسمي جرادًا لأنه يجرد ما ينزل عليه أو لأنه أجرد أي أملس وهو من صيد البر وإن كان أصله بحريًا عند الأكثر وقيل إنه بحري بدليل حديث أبي هريرة أنه قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربهن بنعالنا وأسواطنا فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ كلوه فإنه من صيد البحر‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف‏.‏

وأخرج نحوه أبو داود والترمذي من طريق أخرى عن أبي هريرة وفي إسناده أبو المهزم بضم الميم وكسر الزاي وفتح الهاء وهو ضعيف‏.‏ وأخرج ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏أن الجراد نثرة حوت من البحر‏)‏ أي عطسته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخبط‏)‏ بالتحريك هو ما يسقط من الورق عند خبط الشجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأكله‏)‏ بهذا تتم الدلالة وإلا فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال إنه للاضطرار ولا سيما وقد ثبت عن أبي عبيدة في رواية عند مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏وقد اضطررتم فكلوه‏)‏‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وحاصل قول أبي عبيدة أنه بني أولًا على عموم تحريم الميتة ثم ذكر تخصيص المضطر بإباحة أكلها إذا كان غير باغ ولا عاد وهم بهذه الصفة لأنهم في سبيل اللّه وفي طاعة رسول اللّه وقد تبين من آخر الحديث أن حمله كونها حلالًا ليس لسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر لأكله صلى اللّه عليه وآله وسلم منها لأنه لم يكن مضطرًا وقد ذهب الجمهور إلى إباحة ميتة البحر سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد‏.‏ وعن الحنفية والهادي والقاسم والإمام يحيى والمؤيد باللّه في أحد قوليه أنه لا يحل إلا ما مات بسبب آدمي أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه وأما ما مات أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحل واستدلوا بحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه‏)‏ أخرجه أبو داود مرفوعًا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر وقد أسند من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا وقال الترمذي‏:‏ سألت البخاري عنه فقال ليس بمحفوظ ويروى عن جابر خلافه انتهى‏.‏

ويحيى بن سليم صدوق سيئ الحفظ‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي‏.‏ وقال يعقوب‏:‏ إذا حدث من كتابه فحديثه حسن وإذا حدث حفظًا ففي حديثه ما يعرف وينكر‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ لم يكن بالحافظ‏.‏ وقال ابن حبان في الثقات‏:‏ كان يخطئ وقد توبع على رفعه أخرجه الدارقطني من رواية أبي أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعًا لكن قال خالفه وكيع وغيره فوقفوه على الثوري وهو الصواب وروي عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعًا ولا يصح والصحيح موقوف‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإذا لم يصح إلا موقوفًا فقد عارضه قول أبي بكر وغيره يعني المذكور في الباب‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر‏.‏ قال المنذري‏:‏ وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف وأخرجه ابن ماجه‏.‏ قال الحافظ أيضًا‏:‏ والقياس يقتضي حله لأنه لو مات في البر لأكل بغير تذكية ولو نضب عنه الماء فمات لأكل فكذلك إذا مات وهو في البحر ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير فعند الحنفية وهو قول الشافعية أنه يحرم والأصح عند الشافعية الحل مطلقًا وهو قول المالكية إلا الخنزير في رواية‏.‏

وحجتهم عموم قوله تعالى ‏{‏أحل لكم صيد البحر‏}‏ وحديث ‏(‏هو الطهور ماؤه والحل ميتته‏)‏ أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما وقد تقدم في أول الكتاب‏.‏

وروي عن الشافعية أيضًا أنه يحل ما يؤكل نظيره في البر وما لا فلا وإليه ذهبت الهادوية واستثنت الشافعية ما يعيش في البر والبحر وهو نوعان النوع الأول ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله كما ورد ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم وله شاهد من حديث ابن عمر عند أبي عاصم وآخر عن عبد اللّه بن عمر وأخرجه الطبراني في الأوسط وزاد فإن نقيقها تسبيح‏.‏

وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان بري وبحري ومن المستثنى التمساح والقرش والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من السم‏.‏ النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل لكن بشرط التذكية كالبط وطير الماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن اللّه ذبح ما في البحر لبني آدم‏)‏ لفظ البخاري‏:‏ ‏(‏كل شيء في البحر مذبوح‏)‏ وقد أخرجه الدارقطني وأبو نعيم في الصحابة مرفوعًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والموقوف أصح‏.‏ وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخًا كبيرًا يحلف باللّه ما في البحر دابة إلا قد ذبحها اللّه لبني آدم‏.‏

وأخرج الدارقطني من حديث عبد اللّه بن سرجس رفعه‏:‏ إن اللّه قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم وفي سنده ضعف‏.‏ والطبراني من حديث ابن عمرو رفعه نحوه وسنده ضعيف‏.‏

وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر ثم عن علي بلفظ‏:‏ ‏(‏الحوت ذكي كله‏)‏ قال عطاء أما الطير فأرى أن تذبحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطافي حلال‏)‏ وصله أبو بكر ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس والطافي بغير همز من طفا يطفو إذا علا على الماء ولم يرسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صيده ما اصطيد وطعامه ما رمى به‏)‏ وصله البخاري في التاريخ وعبد بن حميد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طعامه ميتة إلا ما قدرت‏)‏ وصله الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل من صيد البحر صيد يهودي‏)‏ الخ وصله البيهقي قال ابن التين‏:‏ مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير كراهية صيد المجوسي‏.‏ وأخرج أيضًا بسند آخر عن علي عليه السلام مثل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركب الحسن على سرج‏)‏ قيل إنه الحسن بن علي وقيل البصري والمراد أن السرج متخذ من جلود الكلاب المعروفة بكلاب الماء التي في البحر كما صرح به في الرواية‏.‏

 باب الميتة للمضطر

1 - عن أبي واقد الليثي قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه إنا بأرض تصيبنا مخمصة فما يحل لنا من الميتة فقال‏:‏ إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفؤا بها بقلا فشأنكم بها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن جابر بن سمرة‏:‏ ‏(‏أن أهل بيت كانوا بالحرة محتاجين قال‏:‏ فماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم فرخص لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في أكلها قال‏:‏ فعصمتهم بقية شتائهم أو سنتهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أن رجلًا نزل الحرة ومعه أهله وولده فقال رجل‏:‏ إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها فأمسكها فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت فقالت امرأته‏:‏ انحرها فأبى فنفقت فقالت‏:‏ اسلخها حتى نقدر شحمها لحمها ونأكله فقال‏:‏ حتى أسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأتاه فسأله فقال‏:‏ هل عندك غنى يغنيك قال‏:‏ لا قال‏:‏ فكلوه قال‏:‏ فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال‏:‏ هلا كنت نحرتها قال‏:‏ استحييت منك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وهو دليل على إمساك الميتة للمضطر‏.‏

حديث أبي واقد قال في مجمع الزوائد‏:‏ أخرجه الطبراني ورجاله ثقات انتهى‏.‏

وحديث جابر بن سمرة سكت عنه أبو داود والمنذري وليس في إسناده مطعن لأن أبا داود رواه من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة وفي الباب عن الفجيع العامري أنه‏:‏ ‏(‏أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ما يحل لنا الميتة قال‏:‏ ما طعامكم قلنا‏:‏ نغتبق ونصطبح قال أبو نعيم وهو الفضل بن دكين فسره لي عقبة قدح غدوة وقدح عشية قال ذاك وأبي الجوع فأحل لهم الميتة على هذا الحال‏)‏ قال أبو داود‏:‏ الغبوق من آخر النهار والصبوح من أول النهار وفي إسناده عقبة بن وهب العامري‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ صالح وقال علي بن المديني‏:‏ قلت لسفيان بن عيينة عقبة بن وهب فقال ما كان ذاك فيدري ما هذا الأمر ولا كان شأنه الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا‏)‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ الاصطباح ههنا أكل الصبوح وهو الغداء والغبوق أكل العشاء انتهى‏.‏

وقد تقدم تفسير الصبوح والغبوق وهما بفتح أولهما الأول شرب اللبن أول النهار والثاني شرب اللبن آخر النهار ثم استعملا في الأكل للغداء والعشاء وعليهما يحمل ما في حديث أبي واقد الليثي المذكور ولعل المراد بهما في حديث الفجيع مجرد شرب اللبن لأنه لو كان المراد بهما أكل الطعام في الوقتين لم يصح ما في آخر الحديث وهو قوله‏:‏ ذاك وأبي الجوع إذ لا جوع حينئذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم تحتفؤا بها بقلا‏)‏ بفتح المثناتين من فوق بينهما حاء مهملة وبعدهما فاء مكسورة ثم همزة مضمومة من الحفاء وهو البردي بضم الموحدة نوع من جيد التمر وضعفه بعضهم بأن البردي ليس من البقول‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ هو أصل البردي الأبيض الرطب وقد يؤكل‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ معنى الحديث أنه ليس لكم أن تصطبحوا وتغتبقوا وتجمعوهما مع الميتة قال الأزهري‏:‏ قد أنكر هذا على أبي عبيد وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا البينة تصطبحونها أو شربًا تغتبقونه ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة قال وهذا هو الصحيح‏.‏

قال الخطابي‏:‏ القدح من اللبن بالغداة والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس وإن كان لا يغذو البدن ولا يشبع الشبع التام وقد أباح لهم من ذلك الميتة فكان دلالته أن تتناول الميتة إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت كما ذهب إليه مالك والشافعي في أحد قوليه والقول الراجح عند الشافعي هو الاقتصار على سد الرمق كما نقله المزني وصححه الرافعي والنووي وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك والهادوية‏.‏ ويدل عليه قوله‏:‏ ‏(‏هل عندك غنى يغنيك‏)‏ إذا كان يقال لمن وجد سد رمقه مستغنيًا لغة وشرعًا‏.‏ واستدل به بعضهم على القول الأول قال لأنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه والآية الكريمة قد دلت على تحريم الميتة واستثنى ما وقع الاضطرار إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء ولا شك أن سد الرمق يدفع الضرورة وقيل إنه يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو الراجح لإطلاق الآية واختلفوا في الحالة التي يصح فيها الوصف بالاضطرار ويباح عندها الأكل‏.‏ فذهب الجمهور إلى أنها الحالة التي يصل به الجوع فيها إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي إليه‏.‏ وعن بعض المالكية تحديد ذلك بثلاثة أيام‏.‏

قال ابن أبي جمرة‏:‏ الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا بالحرة‏)‏ بفتح الحاء والراء المشددة مهملتين أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنفقت‏)‏ بفتح النون والفاء والقاف أي ماتت يقال نفقت الدابة نفوقًا مثل قعدت المرأة قعودًا إذا ماتت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نقدر‏)‏ بفتح النون وسكون القاف وضم الدال بعده راء مهملة هكذا في النسخ الصحيحة يقال قدر اللحم يقدره طبخه في القدر‏.‏ وفي سنن أبي داود‏:‏ ‏(‏نقدد اللحم‏)‏ بدال مهملة مكان الراء وعلى ذلك شرح ابن رسلان فإنه قال أي نجعله قديدًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غنى يغنيك‏)‏ أي تستغني به ويكفيك ويكفي أهلك وولدك عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استحييت منك‏)‏ بياءين مثناتين من تحت‏.‏ ولغة تميم وبكر بن وائل استحيت بفتح الحاء وحذف إحدى الياءين‏.‏ وقد دلت أحاديث الباب على أنه يجوز للمضطر أن يتناول من الميتة ما يكفيه على خلاف السابق في مقدار ما يتناوله ولا أعلم خلافًا في الجواز وهو نص القرآن الكريم وهل يجب على المضطر أن يتناول من الميتة حفظًا لنفسه‏.‏ قال في البحر‏:‏ في ذلك وجهان يجب لوجوب دفع الضرر ولا إيثارًا للورع واختلفوا في المراد بقوله تعالى ‏{‏غير باغ‏}‏ فقيل أي غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرر وقيل أي غير عاص فمنعوا العاصي من أكل الميتة‏.‏ وحكى الحافظ في الفتح عن الجمهور أنهم جعلوا من البغي العصيان قالوا وطريقه أن يتوب ثم يأكل وجوزه بعضهم مطلقًا ولعله يعني بالبعض القائل بالتفسير الأول‏.‏

 باب النهي أن يؤكل طعام الإنسان بغير إذنه

1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتثل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن عمرو بن يثربي قال‏:‏ ‏(‏شهدت خطبة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بمنى وكان فيما خطب به أن قال‏:‏ ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه قال فلما سمعت ذلك قلت يا رسول اللّه أرأيت لو لقيت في موضع غنم ابن عمي فأخذت منها شاة فاجتزرتها هل علي في ذلك شيء قال‏:‏ إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادًا فلا تمسها‏)‏‏.‏

3 - وعن عمير مولى آبي اللحم قال‏:‏ ‏(‏أقبلت مع سادتي نريد الهجرة حتى إذا دنونا من المدينة قال فدخلوا وخلفوني في ظهرهم فأصابتني مجاعة شديدة قال فمر بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا لو دخلت المدينة فأصبت من تمر حوائطها قال فدخلت حائطًا فقطعت منه قنوين فأتاني صاحب الحائط وأتى بي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأخبره خبري وعلي ثوبان فقال لي أيهما أفضل فأشرت إلى أحدهما فقال خذه وأعط صاحب الحائط الآخر فخلى سبيلي‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

حديث عمرو بن اليثربي في إسناده حاتم بن إسماعيل وفيه خلاف عن عبد الملك بن حسين الجاري فإن يكن هو الكوفي النخعي فضعيف بمرة وإلا فليس من رجال الأمهات‏.‏

وحديث عمير مولى آبي اللحم في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن زيد وقد قال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي وكذا قال أبو حاتم ونحوه عن البخاري وقال النسائي وابن خزيمة ليس به بأس وقال في مجمع الزوائد‏:‏ إن حديث عمير هذا أخرجه أحمد بإسنادين في أحدهما ابن لهيعة وفي الآخر أبو بكر بن زيد بن المهاجر ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا وبقية رجاله ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشربته‏)‏ قال في القاموس‏:‏ والمشربة وتضم الراء أرض لينة دائمة النبات والغرفة والعلية والصفة والمشرعة انتهى‏.‏ والمراد هنا الغرفة التي يجمع فيها الطعام شبه صلى اللّه عليه وآله وسلم ضروع المواشي في حفظها لما فيها من اللبن بالمشربة في حفظها لما فيها من الطعام فكما أن هذه يحفظ فيها الإنسان طعامه فتلك تحفظ له شرابه وهو لبن ماشيته وكما أن الإنسان يكره دخول غيره إلى مشربته لأخذ طعامه كذلك يكره حلب غيره لماشيته فلا يحل الجميع إلا بإذن المالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فينتثل طعامه‏)‏ النثل الاستخراج أي فيستخرج طعامه قال في القاموس‏:‏ نثل الركية ينثلها استخرج ترابها وهي الشيلة والنثالة والكنانة استخرج نبلها ونثرها ودرعه ألقاها عنه واللحم في القدر وضعه فيها مقطعًا وامرأة نثول تفعل ذلك كثيرًا وعليه درعه صبها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاجتزرتها‏)‏ بزاي ثم راء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادًا‏)‏ هذا فيه مبالغة في المنع من أخذ ملك الغير بغير إذنه وإن كان على حالة مشعرة بأن تلك الماشية معدة للذبح حاملة لما تصلح به من آلة الذبح وهي الشفرة وآلة الطبخ وهو الأزناد وهي جمع زند وهو العود الذي يقدح به النار قال في القاموس‏:‏ والجمع زناد وأزند وأزناد‏.‏ ونعجة منصوبة على الحال أي لقيتها حال كونها نعجة حاملة لشفرة وأزناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مولى آبي اللحم‏)‏ قد تقدم غير مرة أن آبي اللحم اسم فاعل من أبى يأبى فهو آب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في ظهرهم‏)‏ أي في دوابهم التي يسافرون بها ويحملون عليها أمتعتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعط صاحب الحائط الآخر‏)‏ فيه دليل على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحد وعلى أن الحاجة لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته ولو كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب النخل‏.‏

 باب ما جاء من الرخصة في ذلك لابن السبيل إذا لم يكن حائط ولم يتخذ خبنة

1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من دخل حائطًا فليأكل ولا يتخذ خبنة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وابن ماجه‏.‏

2 - وعن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ ‏(‏سئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرجل يدخل الحائط فقال يأكل غير متخذ خبنة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن الحسن عن سمرة بن جندب‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثًا فإن أجابه أحد فليستأذنه فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وصححه‏.‏

وقال ابن المديني‏:‏ سماع الحسن من سمرة صحيح‏.‏

4 - وعن أبي نضرة عن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أتى أحدكم حائطًا فأراد أن يأكل فليناد يا صاحب الحائط ثلاثًا فإن أجابه وإلا فليأكل وإذا مر أحدكم بإبل فأراد أن يشرب من ألبانها فليناد يا صاحب الإبل أو يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

حديث ابن عمر الأول والثاني هما حديث واحد ولكن المصنف أوردهما هكذا لاختلاف اللفظ‏.‏ وقال الترمذي بعد إخراجه في البيوع‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وحديث سمرة قال الترمذي بعد إخراجه‏:‏ حديث سمرة حسن صحيح غريب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال علي بن المديني‏:‏ سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة انتهى‏.‏

وحديث أبي سعيد أخرجه أيضًا أبو يعلى وابن حبان والحاكم والمقدسي‏.‏

وفي الباب عن رافع عند الترمذي وأبي داود قال‏:‏ ‏(‏كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا رافع لم ترمي نخلهم قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه الجوع قال‏:‏ لا ترم وكل ما وقع أشبعك وأرواك‏)‏ وعند أبي داود والنسائي من حديث شرحبيل بن عباد في قصة مثل قصة رافع وفيها‏:‏ ‏(‏فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لصاحب الحائط‏:‏ ما علمت إذ كان جاهلًا ولا أطعمت إذ كان جائعًا‏)‏‏.‏

قوله في ترجمة الباب‏:‏ ‏(‏إذا لم يكن حائط‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الحائط البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب مخالف لما قيد به المصنف الترجمة فلعله أراد بقوله إذا لم يكن حائط أي جدار يمنع الدخول إليه بحرزه طرقه لما في ذلك من الإشعار بعدم الرضا وكأنه حمل الأحاديث على ما ليس كذلك ولا ملجئ إلى هذا بل الظاهر الإطلاق وعدم التقييد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يتخذ خبنة‏)‏ بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها نون وهي ما تحمله في حضنك كما في القاموس‏.‏ وهذا الإطلاق في حديث ابن عمر مقيد بما في حديث أبي سعيد المذكور من الأمر بالنداء ثلاثًا وحديث سمرة في الماشية ليس فيه إلا مجرد الاستئذان بدون تقييد بكونه ثلاثًا وكذلك حديث أبي سعيد فإنه لم يذكر في الماشية إلا مجرد النداء ولم يقيده بكونه ثلاثًا‏.‏

ـ وظاهر أحاديث ـ الباب جواز الأكل من حائط الغير والشرب من ماشيته بعد النداء المذكور من غير فرق بين أن يكون مضطرًا إلى الأكل أم لا لأنه إنما قال إذا دخل وإذا أراد أن يأكل ولم يقيد الأكل بحد ولا خصه بوقت فالظاهر جواز تناول الكفاية والممنوع إنما هو الخروج بشيء من ذلك من غير فرق بين القليل والكثير‏.‏

قال العلامة المقبلي في الأبحاث بعد ذكر حديث أبي سعيد ما لفظه‏:‏ وفي معناه عدة أحاديث تشهد لصحته ووجه موافقته للقانون الشرعي ظاهر فيمن له حق الضيافة كابن السبيل وفي ذي الحاجة مطلقًا وسياقات الحديث تشعر بالاختصاص بمن هو كذلك فهو المتيقن وأما الغني الذي ليس له حق الضيافة فمشكوك فيه فيبقى على المنع الأصلي فإن صحت إرادته بدليل خاص كقضية فيها ذلك كان مقبولًا وتكون مناسبته ما في اللبن والفاكهة من الندرة إذ لا يوجد في كل حال مع مسارعة النفس إليها والعرف شاهد بذلك حتى أنه يذم من ضن بهما ويبخل وهو خاصة الوجوب فهو من حق المال غير الصدقة وهذا يرجح بقاء الحديث على عمومه إذ لا معنى للاقتصار مع ظهور العموم وفي المنتهى من فقه الحنابلة ومن مر بثمرة بستان لا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل ولو بلا حاجة مجانًا لا صعود شجره أو رميه بشيء ولا يحمل ولا يأكل من مجني مجموع إلا لضرورة وكذا زرع قائم وشرب لبن ماشية وألحق جماعة بذلك باقلا وحمصا أخضر من المنفتح وهو قوي انتهى‏.‏

ـ وأحاديث الباب ـ مخصصة للحديث المذكور في الباب الأول ومخصصة أيضًا لحديث ليس في المال حق سوى الزكاة وهو من حديث فاطمة بنت قيس مع أنه قد ثبت في الترمذي من حديثها بلفظ‏:‏ ‏(‏في المال حق سوى الزكاة‏)‏ بدون لفظ ليس‏.‏ ومن جملة المخصصات لحديث‏:‏ ‏(‏ليس في المال حق سوى الزكاة‏)‏ ما ورد في الضيافة وفي سد رمق المسلم ومنها ‏{‏وآتوا حقه يوم حصاده‏}

 باب ما جاء في الضيافة

1 - عن عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه إنك تبعثني فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فقال‏:‏ إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي شريح الخزاعي‏:‏ ‏(‏عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا‏:‏ وما جائزته يا رسول اللّه قال‏:‏ يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى بحرجه‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

3 - وعن المقدام أبي كريمة‏:‏ ‏(‏أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محرومًا كان دينًا له عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏من نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه‏)‏‏.‏ رواهما أحمد وأبو داود‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه‏)‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏

حديث المقدام سكت عنه أبو داود هو والمنذري‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وإسناده على شرط الصحيح وله أيضًا من حديثه‏:‏ ‏(‏أيما رجل أضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وعن أبي هريرة عند أبي داود والحاكم بسند صحيح‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الضيافة ثلاثة أيام فما سوى ذلك فهو صدقة‏)‏ وعن شقيق بن سلمة عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ ‏(‏دخلنا على سلمان فدعا بماء كان في البيت وقال‏:‏ لولا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن التكلف للضيف لتكلفت لكم‏.‏

وحديث أبي هريرة المذكور في الباب قال في مجمع الزوائد‏:‏ رجال أحمد ثقات ـ وفي الباب ـ عن عائشة أشار إليه الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يقرونا‏)‏ بفتح أوله من القرى أي لا يضيفونا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بما ينبغي للضيف‏)‏ أي من الإكرام بما لا بد منه من طعام وشراب وما يلتحق بهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخذوا منهم حق الضيف‏)‏ الخ قال الخطابي‏:‏ إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حيث لم يكن بيت مال وأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمين‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ قال أكثرهم إنه كان هذا في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة وهو منسوخ بقوله جائزته كما في حديث الباب قالوا والجائزة تفضل لا واجب‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ قال بعضهم المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراض من لم يضيفكم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم والعيب عليهم وهذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة كما أن القادر المماطل بالدين مباح عرضه وعقوبته وحمله بعضهم على أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة فلما اتسع الإسلام نسخ ذلك‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا تأويل ضعيف أو باطل لأن هذا الذي ادعاه قائله لا يعرف انتهى‏.‏ وقد تقدم ذكر قائله قريبًا فتعليل الضعف أو البطلان بعدم معرفة القائل ضعيف أو باطل بل الذي ينبغي عليه التعويل في ضعف هذا التأويل هو أن تخصيص ما شرعه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم ههنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه فللنازل مطالبة بهذا الحق الثابت شرعًا كالمطالبة بسائر الحقوق فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقه كان له مكافأته بما أباحه له الشارع في هذا الحديث وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللّه‏)‏ الخ قيل المراد من كان يؤمن الإيمان الكامل المنجي من عذاب اللّه الموصل إلى رضوانه ويؤمن بيوم القيامة الآخر استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه فيأتمر بما أمر به وينتهي عما نهى عنه‏.‏ ومن جملة ما أمر به إكرام الضيف وهو القادم من السفر النازل عند المقيم وهو يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى‏.‏

قال ابن رسلان‏:‏ والضيافة من مكارم الأخلاق ومحاسن الدين وليست واجبة عند عامة العلماء خلافًا لليث بن سعد فإنه أوجبها ليلة واحدة وحجة الجمهور لفظ جائزته المذكورة فإن الجائزة هي العطية والصلة التي أصلها على الندب وقلما يستعمل هذا اللفظ في الواجب قال العلماء‏:‏ معنى الحديث الاهتمام بالضيف في اليوم والليلة وإتحافه بما يمكن من بر وألطاف انتهى‏.‏

والحق وجوب الضيافة لأمور‏:‏

الأول إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك وهذا لا يكون في غير واجب‏.‏

والثاني التأكيد البالغ بجعل ذلك فرع الإيمان باللّه واليوم الآخر ويفيد أن فعل خلافه فعل من لا يؤمن باللّه واليوم الآخر ومعلوم أن فروع الإيمان مأمور بها ثم تعليق ذلك بالإكرام وهو أخص من الضيافة فهو دال على لزومها بالأولى‏.‏

والثالث قوله فما كان وراء ذلك فهو صدقة فإنه صريح أن ما قبل ذلك غير صدقة بل واجب شرعًا‏.‏ قال الخطابي‏:‏ يريد أن يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته فما جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة إن شاء فعل وإن شاء ترك‏.‏

وقال ابن الأثير‏:‏ الجائزة العطية أي يقري ضيفه ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة‏.‏

والرابع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ليلة الضيف حق واجب‏)‏ فهذا تصريح بالوجوب لم يأت ما يدل على تأويله‏.‏

والخامس قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث المقدام الذي ذكرنا‏:‏ ‏(‏فإن نصره حق على كل مسلم‏)‏ فإن ظاهر هذا وجوب النصرة وذلك فرع وجوب الضيافة‏.‏ إذا تقرر هذا تقرر ضعف ما ذهب إليه الجمهور وكانت أحاديث الضيافة مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس ولحديث‏:‏ ‏(‏ليس في المال حق سوى الزكاة‏)‏‏.‏

ومن التعسفات حمل أحاديث الضيافة على سد الرمق فإن هذا مما لم يقم عليه دليل ولا دعت إليه حاجة وكذلك تخصيص الوجوب بأهل الوبر دون أهل المدن استدلالًا بما يروى أن الضيافة على أهل الوبر‏.‏ قال النووي وغيره من الحفاظ‏:‏ إنه حديث موضوع لا أصل له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يثوي‏)‏ بفتح أوله وسكون المثلثة أي يقيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يحرجه‏)‏ بضم أوله وسكون الحاء المهملة أي يوقعه في الحرج وهو الإثم لأنه قد يكدره فيقول هذا الضيف ثقيل أو ثقل علينا بطول إقامته أو يتعرض له بما يؤذيه أو يظن به ما لا يجوز‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا كله محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث بغير استدعائه وأما إذا استدعاه وطلب منه إقامته أو علم أو ظن منه محبة الزيادة على الثلاث أو عدم كراهته فلا بأس بالزيادة لأن النهي إنما جاء لأجل كونه يؤثمه فلو شك في حال المضيف هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا لم يحل له الزيادة على الثلاث لظاهر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليلة الضيف‏)‏ أي ويومه بدليل الحديث الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بفنائه‏)‏ بكسر الفاء وتخفيف النون ممدودًا وهو المتسع أمام الدار وقيل ما امتد من جوانب الدار جمعه أفنية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فله أن يعقبهم‏)‏ الخ قال الإمام أحمد في تفسير ذلك‏:‏ أي للضيف أن يأخذ من أرضهم وزرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم وعنه رواية أخرى‏:‏ أن الضيافة على أهل القرى دون الأمصار‏.‏ وإليه ذهبت الهادوية وقد تقدم تحقيق ما هو حق‏.‏

 باب الأدهان تصيبها النجاسة

1 - عن ميمونة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال‏:‏ ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال‏:‏ إن كان جامدًا فألقوها وما حولها وإن كان مائعًا فلا تقربوه‏)‏ رواه أبو داود والنسائي‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال‏:‏ إن كان جامدًا فخذوها وما حولها ثم كلوا ما بقي وإن كان مائعًا فلا تقربوه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث أبي هريرة قال الترمذي هو حديث غير محفوظ سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول هذا خطأ قال‏:‏ والصحيح حديث الزهري عن عبيد اللّه عن ابن عباس عن ميمونة يعني الحديث الذي قبله‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وجزم الذهلي بأن الطريقين صحيحتان وقد قال أبو داود في روايته عن الحسن بن علي قال الحسن وربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس عن ميمونة وأخرجه أبو داود أيضًا عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق وكذا أخرجه النسائي عن خشيش بن أصرم عن عبد الرزاق‏.‏ وذكر الإسماعيلي أن الليث رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال بلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن فأرة وذكر الحديث‏.‏

وأما الزيادة في حديث ميمونة التي زادها أبو داود والنسائي فصححها ابن حبان وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فماتت‏)‏ استدل بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير وهو اختيار البخاري ووجه الاستدلال ما قاله ابن العربي متمسكًا بقوله وما حولها على أنه كان جامدًا قال لأنه لو كان مائعًا لم يكن له حول لأنه لو نقل من جانب خلفه غيره في الحال فيصير مما حوله فيحتاج إلى إلقائه كله فما بقي إلا اعتبار ضابط كلي في المائع وهو التغير ولكنه يدفع هذا ما في الرواية الأخيرة من حديث ميمونة وما في حديث أبي هريرة المذكور من التفرقة بين الجامد والمائع وتبيين حكم كل واحد منهما وضابط المائع عند الجمهور أن يتراد بسرعة إذا أخذ منه شيء واستدل بقوله فماتت على أن تأثيرها إنما يكون بموتها فيه وإذا وقعت فيه وخرجت بلا موت لم يضر وما عدا الفأرة ملحق بها وكذلك ما يشابه السمن ملحق فلا عمل بمفهومهما‏.‏ وجمد ابن حزم على عادته قال‏:‏ فلو وقع غير جنس الفأرة من الدواب في مائع لم ينجس إلا بالتغير ولم يرد في طريق صحيحة تقدير ما يلقى‏.‏

وقد أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار أنه يكون قدر الكف وسنده جيد لولا إرساله‏.‏

وأما ما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا من التقييد في المأخوذ منه بثلاث غرفات بالكفين فسنده ضعيف ولو ثبت لكان ظاهرًا في المائع‏.‏ واستدل بقوله في المائع فلا تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في شيء فيحتاج من أجاز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية أو أجاز بيعه كالحنفية إلى الجواب عن الحديث فإنهم احتجوا به في التفرقة بين الجامد والمائع‏.‏

وأما الاحتجاج بما عند البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏(‏إن كان السمن مائعًا انتفعوا به ولا تأكلوه‏)‏ وعنده من رواية ابن جريج مثله فالصحيح أنه موقوف وعند البيهقي أيضًا عن ابن عمر في فأرة وقعت في زيت فقال استصبحوا به وادهنوا به أدمكم وهذا السند على شرط الشيخين لأنه من طريق الثوري عن أيوب عن نافع عنه إلا أنه موقوف‏.‏ واستدل بالحديث على أن الفأرة طاهرة العين وأغرب ابن العربي فحكى عن الشافعي وأبي حنيفة أنها نجسة‏.‏